سورة العنكبوت - تفسير تفسير الشعراوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ(31)}
جاء هنا إبراهيم- عليه السلام- في سياق قصة لوط، كما جاء لوط في سياق قصة إبراهيم. ومعنى {رُسُلُنَآ...} [العنكبوت: 31] أي: من الملائكة؛ لأن الله تعالى قال: {الله يَصْطَفِي مِنَ الملائكة رُسُلاً وَمِنَ الناس...} [الحج: 75].
وقد جاءت الملائكة لإبراهيم بالبشرى، ولم يذكر مضمون البُشْرى هنا، وهو البشارة بإسحق ويعقوب وذرية صالحة منهما، وجاءته بإنذار بأن الله سيُهلك أهل هذه القرية، وبالبشرى والإنذار يحدث التوازن؛ لأننا نُبشِّر إبراهيم بذرية صالحة مُصْلحة في الكون، ونهلك أهل القرية الذين انحرفوا عن منهج الله.
وتلحظ في الآية أنها لم تذكر العلة في البُشْرى فلم تقل لأنه كان مؤمناً ومجاهداً وعادلاً، إنما ذكرت العلة في إهلاك أهل القرية {أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ} [العنكبوت: 31] لماذا؟ لأن المتفضّل لا يمنُّ بفضله على أنه عمل بمقابل، لكن المعذب يبين سبب العذاب.
فماذا كان الانفعال الأوليّ عند إبراهيم- عليه السلام- ساعةَ سمع البُشْرى والإنذار؟ لم يسأل عن البشرى، مع أنه كان متلهفاً عليها، إنما شغلته مسألة إهلاك القرية، وفيها ابن أخيه لوط. لذلك قال: {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً قَالُواْ...}.


{قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(32)}
فلم يستشرف إبراهيم للبشرى، واهتم بمسألة إهلاك قرية قوم لوط؛ لأن فيها لوطاً مما يدلُّ على أن الإنسان لا يشغله الخير لنفسه عن الشر لغيره، وهنا ردَّ الملائكة {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا...} [العنكبوت: 32] فهذه مسألة لا تخفى علينا.
ثم يُطمئنونه على ابن أخيه {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ...} [العنكبوت: 32] وأهله: تشمل كل الأهل؛ لذلك استثنوا منهم {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} [العنكبوت: 32].
والغابرون: جمع غابر، ولها استعمالان في اللغة: نقول: الزمان الغابر أي الماضي، وغابر بمعنى باقٍ أيضاً، فهي إذن تحمل المعنى وضده؛ ذلك لأنهم جاءوا لإهلاك هذه القرية، وامرأة لوط باقية لتهلك معهم، وتذهب مع مَنْ سيذهبون بالإهلاك، فهي إذن باقية في العذاب. فجاءت الكلمة {مِنَ الغابرين} [العنكبوت: 32] لتؤدي هذين المعنيين.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً...}.


{وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(33)}
شهد إبراهيم هذا الموقف مع لوط، وعلم سبب حضورهم إليه، لكن لماذا سيء بهم، مع أنهم رسل الله ملائكة جاءوه على أحسن صورة؟ قالوا: لأن الملَك يأتي على أجمل صورة، حتى إذا أردنا أن نمدح شخصاً بالجمال نقول: مثل الملاك، ومن ذلك قول النسوة لامرأة العزيز عن يوسف عليه السلام: {مَا هذا بَشَراً إِنْ هاذآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31].
فلما رآهم لوط على هذه الصورة خاف عليهم، بدل أنْ يفرح بمرآهم الجميل؛ لأن قومه قوم سوء وأهل رذيلة، ولابد أنْ ينالوا ضيوفه بسوء؛ لذلك {سِيءَ بِهِمْ...} [العنكبوت: 33] أي: أصابه السوء بسببهم {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً...} [العنكبوت: 33] الذرع هو طول الذراعين، فنقول: فلان باعُه طويل. يعني: يتناول الأشياء بسهولة؛ لأن يده طويلة، فالمعنى: ضاق بهم ذَرْعاً. يعني: لم يتسع جهده لحمايتهم من القوم.
ونلحظ هنا اختلاف السياق بين الآيتين: {وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ...} [العنكبوت: 31] أما في لوط فقال: {وَلَمَّآ أَن جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً...} [العنكبوت: 33] لأنهم تأخروا بعض الشيء عند إبراهيم عليه السلام.
فلما أن أصابه السوء بمرآهم، بدل أنْ يسعد بهم، وخاف عليهم طمأنوه {وَقَالُواْ لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين} [العنكبوت: 33] لا تخَفْ علينا من هؤلاء الأراذل، فلسنا بشراً، إنما نحن ملائكة ما جئْنا إلا لنريحك منهم، ونقطع جذور هذه الفِعْلة الخبيثة، وسوف ننجيك وأهلك من العذاب النازل بهم.
ثم يستثنون من أهله {إِلاَّ امرأتك...} [العنكبوت: 33] فكثيراً ما ضايقته، وأفشتْ أسراره، ودلَّتْ القوم على ضيوفه {كَانَتْ مِنَ الغابرين} [العنكبوت: 33] الباقين في العذاب.
لكن، ما الطريقة التي ستقضون بها على هؤلاء القوم؟

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14